الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة التحريم: الآيات 6- 8] {يا أيُّها الّذِين آمنُوا قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون (6) يا أيُّها الّذِين كفرُوا لا تعْتذِرُوا الْيوْم إِنّما تُجْزوْن ما كُنْتُمْ تعْملُون (7) يا أيُّها الّذِين آمنُوا تُوبُوا إِلى الله توْبة نصُوحا عسى ربُّكُمْ أنْ يُكفِّر عنْكُمْ سيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلكُمْ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ يوْم لا يُخْزِي الله النّبِيّ والّذِين آمنُوا معهُ نُورُهُمْ يسْعى بيْن أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ يقولون ربّنا أتْمم لنا نُورنا واغْفِرْ لنا إِنّك على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (8)}..الإعراب: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ} {قوا} فعل أمر من الوقاية فوزنه عوا لأن الفاء حذفت لوقوعها في المضارع بين ياء وكسرة وهذا محمول عليه واللام حذفت حملا له على المجزوم وبيانه أن أوقوا كاضربوا فحذفت الواو التي هي فاء الكلمة لما تقدم وحذفت همزة الوصل لحذف مدخولها الساكن واستثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفت الياء وضم ما قبل الواو لتصحّ، والواو فاعل و{أنفسكم} مفعول به أول {وأهليكم} عطف على {أنفسكم} وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم و{نارا} مفعول به ثان و{وقودها} مبتدأ و{الناس} خبر أو بالعكس {والحجارة} عطف على {النار} وجملة {وقودها الناس} صفة لـ: {نارا}.{عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون} الجملة صفة ثانية لـ: {نارا} و{عليها} خبر مقدّم و{ملائكة} مبتدأ مؤخر و{غلاظ} نعت لـ: {ملائكة} و{شداد} نعت ثان و{لا} نافية و{يعصون الله} فعل مضارع مرفوع وفاعل ومفعول به و{ما} مصدرية و{أمرهم} فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به و{ما} مع مدخولها في تأويل مصدر في محل نصب بدل اشتمال من {الله} كأنه قيل لا يعصون أمره.و أجاز أبو حيان نصبه على نزع الخافض أي فيما أمرهم، {ويفعلون} الواو عاطفة و{يفعلون} فعل مضارع مرفوع وفاعل و{ما} اسم موصول مفعول به وجملة {يؤمرون} صلة والعائد محذوف أي به، قال الزمخشري: فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا فإن معنى الأولى أنهم يقبلون أوامره ويلتزمونها ومعنى الثانية أنهم يؤدّون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه. فحصلت المغايرة، وأما البيضاوي فقد أجاب عن هذا السؤال بقوله وقيل لا يعصون الله فيما مضى ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل.{يا أيُّها الّذِين كفرُوا لا تعْتذِرُوا الْيوْم إِنّما تُجْزوْن ما كُنْتُمْ تعْملُون} {لا} ناهية و{تعتذروا} فعل مضارع مجزوم بلا الناهية و{اليوم} ظرف متعلق بـ: {تعتذروا} والجملة مقول قول محذوف أي يقال لهم ذلك عند دخول النار و{إنما} كافّة ومكفوفة و{تجزون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{ما} مفعول به ثان وجملة {كنتم} صلة {ما} وجملة {تعملون} خبر {كنتم}.{يا أيُّها الّذِين آمنُوا تُوبُوا إِلى الله توْبة نصُوحا} {توبوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل و{إلى الله} متعلقان بـ: {توبوا} و{توبة} مفعول مطلق و{نصوحا} نعت لـ: {توبة}.{عسى ربُّكُمْ أنْ يُكفِّر عنْكُمْ سيِّئاتِكُمْ} {عسى} فعل ماض جامد من أفعال الرجاء و{ربكم} اسمها و{أن} وما في حيّزها في موضع نصب خبر {عسى} و{عنكم} متعلقان بـ: {يكفر} و{سيئاتكم} مفعول به.{ويُدْخِلكُمْ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ} {ويدخلكم} عطف على {يكفر} والكاف مفعول به و{جنات} مفعول به ثان على السعة وجملة {تجري} نعت لـ: {جنات} و{من تحتها} متعلقان بـ: {تجري} و{الأنهار} فاعل {تجري}.{يوْم لا يُخْزِي الله النّبِيّ} الظرف متعلق بـ: {يدخلكم} أو بفعل محذوف تقديره اذكر فيكون مفعولا به و{لا} نافية و{يخزي الله} فعل مضارع وفاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها و{النبي} مفعول به.{والّذِين آمنُوا معهُ نُورُهُمْ يسْعى بيْن أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ} يجوز أن تكون الواو عاطفة و{الذين} في محل نصب نسقا على {النبي} فيكون {نورهم} مبتدأ وجملة {يسعى} خبر والجملة مستأنفة أو حالية، ويجوز أن تكون الواو استئنافية و{الذين} مبتدأ وجملة {نورهم يسعى} خبره و{بين أيديهم} الظرف متعلق بـ: {يسعى} {وبأيمانهم} عطف على الظرف متعلق بما تعلق به.{يقولون ربّنا أتْمم لنا نُورنا} الجملة خبر ثان أو حالية و{ربنا} منادى مضاف وجملة النداء وفعل الأمر بعدها وفاعله ومفعوله مقول القول.{واغْفِرْ لنا إِنّك على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} عطف على ما تقدم..البلاغة: 1- في قوله: {توبة نصوحا} إسناد مجازي، أسند النصح إلى التوبة مجازا وإنما هو من التائب للمبالغة، وقد تقدم نظيره كثيرا.2- في قوله: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} فن عجيب سمّوه (السلب والإيجاب) وهو بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى أو أمر بشيء من جهة ونهي عنه من غير تلك الجهة وقد تقدم بحثه فيما مضى، وهو في الآية ظاهر فقد سلب عزّ وجلّ عن هؤلاء الموصوفين العصيان وأوجب لهم الطاعة، فإن قيل على ظاهر هذه الآية إشكال من جهة التداخل والتكرار فإن معنى عجزها داخل في معنى صدرها فهو مكرر وإن اختلف لفظه وهذا عيب يتحاشى عن نظم الكتاب العزيز فإن من لا يعصي يطيع، ولم أر من تعرّض لهذا الإشكال وأجاب عنه إلا الإمام فخر الدين الرازي فقال: {لا يعصون الله في الحال ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل} وهو على كل حال جواب لا يحلّ الإشكال بل يبقى واردا وأجاب ابن أبي الإصبع بقوله:الوصف بالطاعة والعصيان على ثلاثة أقسام: تقول: زيد لا يعصي ويطيع ونقيضه لا يطيع ويعصي والواسطة لا يعصي ولا يطيع والأول وصف أعلى والثاني وصف أدنى والثالث وصف متوسط.والحق سبحانه أراد، وهو أعلم، أن يصف هؤلاء الملائكة بالوصف الأعلى فلو اقتصر عزّ وجلّ على قوله: {لا يعصون} احتمل أن يوصل بقولك ولا يطيعون فلا يوفي ذلك بالمعنى المراد فإن المراد وصفهم بأعلى الأوصاف فوجب أن يقول ويفعلون فتكمل الوصف والله أعلم.وأورد الزمخشري هذا الإشكال وأجاب عنه بما يلي: فإن قلت أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا فإن معنى الأولى يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ومعنى الثانية أنهم يؤدّون ما يؤمرون، به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.فإن قلت قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة}، وقال: {أعدّت للكافرين} فجعلها معدّة للكافرين فما معنى مخاطبته به المؤمنين؟قلت: الفسّاق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفّار فإنهم مساكنون للكفّار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الكفّار الذين أعدّت لهم هذه النار الموصوفة، ويجوز أن يأمرهم بالتوقّي من الارتداد والندم على الدخول في الإسلام.وتعقبه ابن المنير المالكي في كتابه الانتصاف فقال: جوابه الأول مفرع على قاعدته الفاسدة في اعتقاد خلود الفسّاق في جهنم ولعلّه إنما أورد السؤال ليتكلف عنه بجواب ينفّس عمّا في نفسه مما لا يطيق كتمانه من هذا الباطل..[سورة التحريم: الآيات 9- 12] {يا أيُّها النّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّار والْمُنافِقِين واغْلُظْ عليْهِمْ ومأْواهُمْ جهنّمُ وبِئْس الْمصِيرُ (9) ضرب الله مثلا للذِين كفرُوا امْرأت نُوحٍ وامْرأت لُوطٍ كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحيْنِ فخانتاهُما فلمْ يُغْنِيا عنْهُما مِن الله شيْئا وقِيل ادْخُلا النّار مع الدّاخِلِين (10) وضرب الله مثلا للذِين آمنُوا امْرأت فِرْعوْن إِذْ قالتْ ربِّ ابْنِ لِي عِنْدك بيْتا فِي الْجنّةِ ونجِّنِي مِنْ فِرْعوْن وعملِهِ ونجِّنِي مِن الْقوْمِ الظّالِمِين (11) ومرْيم ابْنت عِمْران الّتِي أحْصنتْ فرْجها فنفخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها وكُتُبِهِ وكانتْ مِن الْقانِتِين (12)}..اللغة: {واغْلُظْ عليْهِمْ} شدّد عليهم في الخطاب ولا تأخذك هوادة أو لين في معاملتهم. وفي القاموس: الغلظة مثلته والغلاظة بالكسر وكعنب ضد الرقّة، والفعل ككرم وضرب فهو غليظ وغلاظ كغراب وأغلظ له في القول خشن..الإعراب: {يا أيُّها النّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّار والْمُنافِقِين واغْلُظْ عليْهِمْ} {يا أيها النبي} تقدّم إعرابها كثيرا و{جاهد} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{الكفّار} مفعول به {والمنافقين} عطف على {الكفّار} {واغلظ} فعل أمر معطوف على {جاهد} و{عليهم} متعلقان بـ: {أغلظ}.{ومأْواهُمْ جهنّمُ وبِئْس الْمصِيرُ} الواو استئنافية و{مأواهم} مبتدأ و{جهنم} خبر {وبئس} فعل ماض جامد لإنشاء الذم و{المصير} فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي هي.{ضرب الله مثلا للذِين كفرُوا امْرأت نُوحٍ وامْرأت لُوطٍ} كلام مستأنف مسوق لإيراد حالة غريبة ليعرف على ضوئها حالة غريبة أخرى مشاكلة لها في الغرابة.و{ضرب الله} فعل وفاعل و{مثلا} مفعول به ثان مقدّم واللام ومجرورها متعلقة بمحذوف صفة لـ: {مثلا} و{امرأة نوح} مفعول به أول {وامرأة لوط} عطف على {امرأة نوح}.{كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحيْنِ فخانتاهُما} الجملة مستأنفة مسوقة لتفسير ضرب المثل، وكان فعل ماض ناقص والتاء تاء التأنيث الساكنة والألف اسم كان و{تحت عبدين} الظرف متعلق بمحذوف خبر كان و{من عبادنا} نعت لـ: {عبدين}، {فخانتاهما} عطف وهو فعل ماض وفاعل ومفعول به، وسيأتي اسم المرأتين وحديثهما في باب الفوائد.{فلمْ يُغْنِيا عنْهُما مِن الله شيْئا وقِيل ادْخُلا النّار مع الدّاخِلِين} الفاء عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم و{يغنيا} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والألف فاعل و{عنهما} متعلقان بـ: {يغنيا} و{من الله} حال و{شيئا} مفعول مطلق أو مفعول به وقيل عطف على ما تقدم وهو فعل ماض مبني للمجهول وجملة {ادخلا} مقول القول و{النار} مفعول به على السعة و{مع الداخلين} ظرف متعلق بـ: {ادخلا} والفعل الماضي {قيل} مضارع في المعنى أي ويقال لهما.{وضرب الله مثلا للذِين آمنُوا امْرأت فِرْعوْن إِذْ قالتْ ربِّ ابْنِ لِي عِنْدك بيْتا فِي الْجنّةِ} عطف على ما تقدم و{إذ} ظرف متعلق بـ: {مثلا} ولعلّ الأولى أن يقال أنه متعلق بمحذوف بدل من {مثلا} وجملة {قالت} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{ربّ} منادى مضاف محذوف منه حرف النداء و{ابن} فعل أمر للدعاء مبني على حذف حرف العلة و{لي} متعلقان بـ: {ابن} و{عندك} ظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير المتكلم أو من {بيتا} لتقدمه عليه و{في الجنة} عطف بيان أو بدل لقوله: {عندك} أو متعلقان بـ: {ابن}.{ونجِّنِي مِنْ فِرْعوْن وعملِهِ ونجِّنِي مِن الْقوْمِ الظّالِمِين} {ونجّني} عطف على {ابن} و{من فرعون} متعلقان بـ: {نجّني} {وعمله} عطف و{من القوم}متعلقان بـ: {نجّني} و{الظالمين} نعت لـ: {القوم}.{ومرْيم ابْنت عِمْران الّتِي أحْصنتْ فرْجها فنفخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا} {ومريم} عطف على {امرأة فرعون} و{ابنة} بدل أو نعت لـ: {مريم} و{عمران} مضاف وجر بالفتحة لأنه لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون و{التي} نعت لـ: {مريم} وجملة {أحصنت فرجها} صلة التي أي حفظته وصانته من الرجال، {فنفخنا} عطف على {أحصنت} و{فيه} متعلقان بـ: {نفخنا} و{من روحنا} صفة لمفعول به محذوف أي روحا من روحنا و{من} للتبعيض، وقد مرّ معنى النفخ فيما تقدم.{وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها وكُتُبِهِ وكانتْ مِن الْقانِتِين} {وصدّقت} عطف على محذوف مقدّر مناسب للسياق أي فحملت بعيسى وصدّقت، و{بكلمات} متعلقان بـ: {صدّقت} و{ربها} مضاف إليه {وكتبه} عطف على {كلمات} {وكانت} فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هي و{من القانتين} خبر، ويجوز في {من} وجهان أحدهما أنها لابتداء الغاية والثاني أنها للتبعيض والتذكير للتغليب.
|